الذكاء الاصطناعي في الجزائر: رهان السيادة في زمن الثورة التكنولوجية

أخبار التلفزيون
الذكاء الاصطناعي في الجزائر: رهان السيادة في زمن الثورة التكنولوجية

بقلم: عبدالرحمان هادف – مستشار دولي في التنمية الاقتصادية

يولي رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أهمية متزايدة للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي باعتبارهما خيارًا استراتيجيًا لبناء اقتصاد حديث وتعزيز السيادة الوطنية. فالثورة التكنولوجية الجارية لم تعد مسألة تقنية معزولة، بل تحولت إلى عنصر حاسم في موازين القوة بين الدول، وإلى أداة لإعادة تشكيل نماذج التنمية والحوكمة.

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد ابتكار مستقبلي، بل أصبح اليوم البنية التحتية الجديدة لقوة الأمم. وبالنسبة للجزائر، فإن الرهان يتجاوز تبني التكنولوجيا ليشمل التحكم في آثارها السياسية والاقتصادية والثقافية، في عالم باتت فيه الخوارزميات والبيانات جزءًا من القرار السيادي.

سياسيًا، يطرح الذكاء الاصطناعي تحديًا مباشرًا لمفهوم السيادة الرقمية. فاعتماد أنظمة ذكية غير خاضعة لحوكمة وطنية قد يؤدي إلى تبعية تكنولوجية تمس استقلالية القرار العمومي، خاصة عندما يتعلق الأمر بإدارة البيانات الحساسة أو أتمتة قرارات ذات طابع استراتيجي. ومن هنا تبرز الحاجة إلى رؤية سياسية واضحة تجعل من الذكاء الاصطناعي أداة سيادة لا عامل هشاشة.

اقتصاديًا واجتماعيًا، يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة غير مسبوقة لرفع الإنتاجية وتحسين الأداء في قطاعات حيوية مثل الفلاحة، الصحة والطاقة. غير أن هذه الفرصة لا تخلو من مخاطر، أبرزها اتساع الفجوة الرقمية، واضطراب سوق العمل، وتركز القيمة المضافة خارج الاقتصاد الوطني. والتحدي الحقيقي يكمن في تحويل الذكاء الاصطناعي إلى محرك للنمو الشامل، لا إلى عامل إقصاء أو تبعية جديدة.

ثقافيًا، يفرض الانتشار الواسع للمحتوى المولد آليًا تساؤلات جوهرية حول الهوية الوطنية. ففي فضاء رقمي تهيمن عليه لغات ونماذج ثقافية عابرة للحدود، يصبح الحفاظ على الخصوصية الثقافية مسألة استراتيجية. فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية لنشر الثقافة الجزائرية وتعزيز حضورها، كما يمكن أن يتحول إلى وسيلة للتوحيد والتنميط إذا غابت الرؤية.

وانطلاقًا من هذه التحديات، فإن  فعالية الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي ترتكز على تصور تطبيقي و عملي ، و ذلك بما سوف تبنيه من قدرات فعلية على الأرض. ويأتي في صدارة الأهداف تعزيز القدرات التكنولوجية الوطنية عبر توطين الاستثمارات في البنى التحتية الرقمية السيادية، خاصة في ما يتعلق بتطوير مراكز بيانات عالية الأداء للحوسبة المتقدمة والتخزين و كذا تكنولوجيا الاتصالات السلكية و النقالة. فامتلاك هذه البنى يشكل شرطًا أساسيًا للتحكم في البيانات، ودعم التطبيقات الذكية، وتقليص الاعتماد على الخارج.

ويرتكز الهدف الثاني على تأهيل الكفاءات وبناء رأس مال بشري متخصص، باعتباره الأساس الحقيقي لأي سيادة تكنولوجية مستدامة. وفي هذا الإطار، تندرج المبادرات التي أطلقها رئيس الجمهورية بإنشاء مدارس عليا متخصصة في الذكاء الاصطناعي، الرياضيات، والنانوتكنولوجيا ضمن رؤية بعيدة المدى تهدف إلى تكوين نخب علمية قادرة على الابتكار وتطوير الحلول، لا الاكتفاء باستهلاك التكنولوجيا.

أما الهدف الثالث، فيتعلق بالبعد القانوني والأمني، حيث يفرض تطور الذكاء الاصطناعي تحديث المنظومة الوطنية لحوكمة هذه التكنولوجيا، وحماية البيانات، وتعزيز الأمن السيبراني. فالثقة في التحول الرقمي تمر حتمًا عبر إطار قانوني واضح، يضمن استخدامًا مسؤولًا وآمنًا للتقنيات الذكية.

إن مستقبل الدول يُصنع اليوم في مراكز البيانات ومخابر البحث. والجزائر لن تتأخر على هذا الركب و هي تسير إلى أن تكون فاعلًا في هذه الثورة، لا مجرد مستهلك لها، من خلال بناء نموذج وطني للذكاء الاصطناعي يقوم على السيادة، الكفاءة، وحماية الإنسان
 

ENTV Banner