لم تدخر الجزائر، خلال عهدتها بمجلس الأمن الأممي أو في مختلف المحافل الدولية، أي جهد في الدفاع عن القضية الفلسطينية حيث لم تتوان عن المطالبة بوقف الحرب الوحشية الصهيونية على قطاع غزة، رغم اصطدامها في كل مرة بحق النقض (الفيتو) الذي لم يحد من عزيمتها وإصرارها في العودة إلى دق باب المجلس حتى يتحمل مسؤوليته ويقر بحماية الشعب الفلسطيني من كافة أشكال العدوان وتمكينه من إقامة دولته المستقلة.
وعملا بالتعليمات الصارمة التي أسداها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بمنح القضية الفلسطينية "أولوية الاولويات" في مجلس الأمن، لعبت البعثة الدبلوماسية الجزائرية بنيويورك دورا محوريا في الدفاع عن عدالة القضية عبر تكثيف التحركات والدعوة لاجتماع تلو الآخر لهذا الجهاز الأممي.
كما استهلت الجزائر ولايتها بمجلس الأمن التي تسلمتها في يناير 2024، بعد أقل من ثلاثة أشهر من بداية حرب الإبادة الجماعية على غزة، بالدفاع عن القضية الفلسطينية باعتبارها "القضية المركزية" التي لا يمكن طمسها ولا تحييدها ولا تغييبها، وبادرت في كل مرة بتقديم مشاريع قرارات تخص الوضع في فلسطين وبالتحديد في قطاع غزة.
ونجحت الجزائر مرارا، باعتبارها ممثل المجموعة العربية والإفريقية بمجلس الأمن، في الحصول على التفاف واسع حول جميع مشاريع القرارات التي رفعتها إلى هاته الهيئة الأممية، خاصة تلك المتعلقة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة و المطالبة بإدخال المساعدات ووقف تهديدات الكيان الصهيوني المتعلقة بحظر نشاط وكالة الأمم المتحدة لغوث و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي إطار مساعيها الرامية إلى وقف العدوان على غزة، اتخذت الجزائر منذ أسابيع قرارا سياديا بالتصويت لصالح مشروع قرار مجلس الأمن بشأن "خطة السلام في غزة" واحتكمت في ذلك إلى اعتبارات موضوعية تسهم في التخفيف من وطأة المآسي المسلطة على الشعب الفلسطيني في القطاع وتضمن التسريع بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
وتمكنت خلال المفاوضات حول مشروع هذا القرار، حسب توضيحات وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، من إدخال "تعديل بالغ الأهمية عليه، وهو التعديل الذي يوضح أن المقصد النهائي من هذا القرار يتمثل في توفير الظروف المواتية لفتح أفق الحل السياسي للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة والسيدة".
كما يذكر القرار المعتمد -يقول عطاف- "بجميع القرارات السابقة لمجلس الأمن المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وهي القرارات التي تشكل العقيدة الأممية لتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه الشرعية والمشروعة، من خلال إنهاء احتلال أراضيه وتجسيد مشروعه الوطني وتمكينه من إقامة دولته المستقلة".
وتندرج الأهداف الجوهرية لهذا القرار أساسا في إطار ما يسميه وزير الدولة "بالأولويات المستعجلة للمرحلة الراهنة أو أولويات ما بعد العدوان على غزة"، وهي ذات الأولويات التي لم تتوقف الجزائر عن المرافعة من أجلها منذ بداية عهدتها بمجلس الأمن، والمتمثلة في "تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني" و "تمكين جهود الإغاثة الإنسانية في غزة دون قيود أو شروط"، إضافة إلى "تمهيد الطريق لإطلاق مسيرة إعادة الإعمار في غزة".
وبخصوص مواقف أبرز الفواعل الإقليمية إزاء هذا القرار، أخذت الجزائر على عاتقها منذ بداية ولايتها بهذه الهيئة الأممية أن تنسق جميع خطواتها وتحركاتها ومبادراتها مع أشقائها الفلسطينيين بصفة خاصة ومع أشقائها العرب بصفة عامة. كما اعتمدت ذات المقاربة -يضيف عطاف- خلال مرحلة المفاوضات حول مشروع القرار هذا، حيث "عملت بالتنسيق التام مع جميع هذه البعثات بنيويورك".
وطوال عهدتها بمجلس الأمن، نجحت الجزائر في العديد من المحطات بالرغم من التحديات الكبيرة، غير أنها لم تتخل يوما عن الدفاع عن مبادئها الثابتة ولم تستسلم للأمر الواقع، خاصة عندما عجز المجلس عن الاستجابة لكثير من الاستحقاقات المصيرية، وفي مقدمتها مأساة غزة، ولم تملك حينها إلا أن تعبر، على لسان ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع، عن أسفها للشعب الفلسطيني، مشددا على أن الجزائر، وكما تعهد به رئيس الجمهورية، لن تتخلى أبدا على الفلسطينيين وستطالب دائما بإنشاء دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

